حوار مع الشاعر محمود درويش
مقدم البرنامج:
أحمد محمد محمود سعد
مقدم إلى:
د.أحمد محمد عوين
أ.مروة عبد الله
التقديم:طابت أوقاتكم أعزائي المستمعين...
وأسعد الله مسائكم بكل خير...
حجزنا لكم اليوم المقاعد لتبحرو معنا بين ثنايا الهواجس، ودعوناكم بسابق دعوة لتكونو على إستعداد بما قد يعتريكم من الشعور، وخاصة انا أمسيتنا الليلة مليئة بالشجن والود والصمود، ولطالما كنتكم من محبي الشعر ومتذوقيه، كما إعتدتم معنا في برنامجنا الأسبوعي (بوح شاعر) ، بأن نقدم لكم ونستضيف شعراء ذو مكانة في وطننا العربي...
هو شاعر ولد عام 1941 في قرية البروة وهي قرية فلسطينية تقع في الجليل، اعتقل من قبل السلطات الإسرائيلية مرارا بدأ من العام 1961 بتهم تتعلق بتصريحاته ونشاطه السياسي وذلك حتى عام 1972 حيث توجه إلى للاتحاد السوفييتي للدراسة، وانتقل بعدها لاجئا إلى القاهرة في ذات العام حيث التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية،ثم لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة .
بدأ بكتابة الشعر في جيل مبكر وقد لاقى تشجيعا من بعض معلميه. استمر بكتابة الشعر ونشر ديوانه الأول، عصافير بلا أجنحة، في جيل 19 عاما. يعد شاعر المقاومة الفلسطينية ومر شعره بعدة مراحل...
• كما أنه نال العديد من الجوائز، وكان آخر تكريم له إصدار طابع بريد يحمل صورة الشاعر الشخصية...
الحوار :نرحب بشاعر المقاومة والوطن....محمود درويش...
_يطيب لي التواجد بينكم الليلة في هذا البرنامج الرائع الذي طالما كنت من متابعيه، إلا أنني لم أتصور يوما ان أكون أحد ضيوفه، وأنه لشرف لي ان أكون من نخبة الشعراء الذين إستضفتموهم في هذا البرنامج....
1_
شكرا لك....بما إننا إتجهنا في مقدمتنا وتكلمنا عن كونك شاعر المقاومة، وهو اللقب الذي طالما إرتبط بإسمك إينما توجد، كيف يكمن دور الشاعر في إيصال صورة وطنه أو إيصال رسالته؟في الحقيقة إنني ارى أن الشاعر لا بد أن يكون متلاحما مع قضايا وطنه وشعبه بالدرجة الاولى، وإن كان ذلك بعيدا عن شعوره ومواقفه التي تعتريه في حياته، إلا أني أجد ذلك مفروضا عليه وواجب عليه تجاه وطنه وتجاه ذلك المكان الذي أتى منه وترعرع فيه.
2_ألا تجد أن ذلك يعد ضعفا حين يركز الشاعر على قضية أو موضوع في الشعر دون غيره من المواضيع..؟لا أبدا كيف ذلك، ليس من المعقول عندما يكون شعبي قابعا تحت ظل الحصار والدمار والجوع، أن أكتب شعر غزل على سبيل المثال، رغم أني كتبت في الغزل بعض من القصائد، لكنني لم أخرج بها عن حدود الوطن، ولعلك تلاحظ أن قصائد الحب لدي مربوطة بطريقة غير مباشرة بالوطن، حاضر هو بكل ما أقدم.
3_لعلك تسمعنا بعضا مما قلته عن وجعك الجميل...حبيبتك فلسطين...فلسطينية العينين والوشم
فلسطينية الإسم
فلسطينية الأحلام والهمّ
فلسطينية المنديل والقدمين والجسم
فلسطينية الكلمات والصمت
فلسطنينية الصوت
فلسطينية الميلاد والموت
حملتك في دفاتري القديمة
نار أشعاري
حملتك زاد أسفاري
وباسمك، صحت في الوديان:
خيول الروم!... أعرفها
وإن يتبدّل الميدان!
خذوا حذراً...
من البرق الذي صكّته أغنيتي على الصوّان
أنا زين الشباب، وفارس الفرسان
أنا. ومحطّم الأوثان.
3_كم جميلة هي حبيبتك رغم ما تحمله من أسى...
لقد تم نقد أعمالك كثيرا من خلال النقاد، وخاصة في الشعر الحديث الذي خرج عن إطار الشعر الكلاسيكي، وأتى بنمط مختلف عن ما هو معتاد عليه وأتى بطريقة أساسية إعتمادا على الكلمة الرمز، فماذا تقول لهم؟نعم قد تعرضت لكثير من النقد، حتى اني قمت بالرد على هاؤلاء بقصيدة النقاد حيث قلت:
قالوا: تَعَالى الشعرُ عن أَغراضه…
يغتالني النُقّادُ أَحياناً
وأَنجو من قراءتهم،
وأشكرهم على سوء التفاهم
ثم أَبحثُ عن قصيدتيَ الجديدةْ!
وإستكمالا لذلك أقول ان الشعر إن لم يسمى ويرتقي في معانيه فإنه لن يصل لغايته، سواء كان ذلك بالشكل الحديث أم بالشكل الكلاسيكي، إلا أنني اجد ان الشعر الحديث تميز بالرمزية التي تدعو للتأمل والتي يتفكر فيها الناس كل بمعنى، وهذا ما يميزه فعلا، وردا على من يدعو إلى التعقيد والكلفة في الشعر قلت:
قصائدنا بلا لون
بلا طعم , بلا صوت
إذا لم تحمل المصباح من بيت إلي بيت
وإن لم يفهم البسطا معانيها
فأولي أن نذريها ونخلد
نحن للصمت .
4- لإمك تواجد رائع في شعرك، خاصة قصيدة (أحن إلى خبز أمي) التي تغنى بها الفنان مرسيل خليفة والتي أصبحت أنشودة يتغنى بها كل لأمه...هل توجد هنالك صلة بين بداياتك كشاعر وبين أمك، بمعنى أصح هل كانت والدتك تشجعك على خطاك التي تقوم بها تجاه الشعر؟الأم تعد ذو مكانة عظيمة في نفس كل إنسان، وتحمل من التضحيات ما لا يحمل، دائما كنت في بداياتي أحاول إستشفاف رأيي والدتي بما أكتب، إلا أن طبيعة البيئة التي كنت فيها لا تقوم على الإفصاح عن ما في النفس، كذلك كان الجو في منزلنا حيث عندما تكون والدتي معجبة بالفعل فيما أقدم ، دون أن تقول، فاقوم حينها بالإستفسار من اخوتي ما هو رأي أمي بشعري، فأكتشف أنه نال أعجابها، وهذا ما شجعني فعلا على الإستمار والإبداع.
5- كم كان اللقاء معك جميلا ورائع، من الأوقات التي تمض بسرعة هو اجملها، فماذا تقول ختاما لامك وأنت بعيد عنها، وماذا تقول بشكل عام كونك في غربة؟تحيةً.. وقبلةً
وليسَ عندي ما أقولُ بعدْ
من أينَ أبتدي؟ وأينَ أنتهي؟..
ودورةُ الزمانِ دونَ حدّ
وكلُّ ما في غربتي
زوّادةٌ، فيها رغيفٌ يابسٌ، ووَجدْ
ودفترٌ يحملُ عنّي بعضَ ما حملتْ
بصقتُ في صفحاتهِ ما ضاقَ بي من حقدْ
من أينَ أبتدي؟
وكلُّ ما قيلَ وما يقالْ بعدَ غدْ
لا ينتهي بضمّةٍ.. أو لمسةٍ من يدْ
لا يُرجعُ الغريبَ للديار
لا يُنزلُ الأمطار
لا يُنبتُ الريشَ على
جناحِ طيرٍ ضائعٍ.. منهدّ
من أينَ أبتدي؟
تحيةً.. وقبلةً.. وبعدْ..
أقولُ للمذياع.. قلْ لها أنا بخيرْ
أقولُ للعصفورِ
إن صادفتَها يا طيرْ
لا تنسني، وقلْ بخيرْ
أنا بخيرْ
أنا بخيرْ
ما زال في عينيَّ بصرْ!
ما زالَ في السّما قمرْ!
وثوبي العتيق، حتى الآنَ، ما اندثرْ
تمزقت أطرافهُ
لكنني رتقتهُ.. ولم يزلْ بخيرْ
وصرتُ شاباً جاوزَ العشرين
تصوريني.. صرتُ في العشرينْ
وصرتُ كالشبابِ يا أمّاه
أواجهُ الحياه
وأحملُ العبءَ كما الرجالُ يحملونْ
وأشتغل
في مطعمٍ.. وأغسلُ الصحون.
وأصنعُ القهوةَ للزبونْ
وألصقُ البسماتِ فوق وجهيَ الحزينْ
ليفرحَ الزبونْ
-
أنا بخيرْ
قد صرتُ في العشرينْ
وصرتُ كالشباب يا أمّاه
أدخّنُ التبغَ، وأتّكي على الجدارْ
أقولُ للحلوةِ: آه
كما يقولُ الآخرونْ
« يا إخوتي، ما أطيبَ البنات،
تصوروا كم مُرَّةٌ هيَ الحياة
بدونهنَّ.. مُرّة هي الحياة »
وقالَ صاحبي: « هل عندكم رغيف؟
يا إخوتي؛ ما قيمةُ الإنسانْ
إن نامَ كلَّ ليلةٍ.. جوعانْ؟ »
أنا بخيرْ
أنا بخيرْ
عندي رغيفٌ أسمر
وسلّةٌ صغيرةٌ من الخضار
أمّاهُ يا أماه.
لمن كتبتُ هذهِ الأوراق
أيُّ بريدٍ ذاهبٍ يحملها؟
سُدَّت طريقُ البرِّ والبحارِ والآفاقْ..
وأنتِ يا أمّاه
ووالدي، وإخوتي، والأهلُ، والرفاقْ..
لعلّكم أحياءْ
لعلّكم أمواتْ
لعلّكم مثلي بلا عنوانْ
ما قيمةُ الإنسان
بلا وطن
بلا علَمْ
ودونما عنوانْ
ما قيمةُ الإنسانْ؟